دائماً ما نسمع مقولة ( نبدأ من حيث انتهى الآخرين ) وتلك المقولة تقال عادةً حينما نشرع في وضع خِطة طويلة المَدى لأي جهةٍ أو دائرةٍ حكوميةٍ أو خاصةٍ أو حتى على مستوى التنمية في الدول ، حينما تريد الاستفادة مما لدى الدول من تجارب ناجحة ومُناسبة للمجتمع من حيث عاداته وتقاليده ، ومن أجل النهوض به إلى مُستوياتٍ أفضل .
ما دعاني للكتابة حول هذا الموضوع هو ما أثير منذ فترة حول اختلاط طلاب الصفوف الأولية في مدارس محدودة في المدارس الأهلية ، ومن ثم تم تعميمها على بقية المدارس ممن تود تطبيق تلك التجربة في مختلف المناطق ، ما أوجد لنا فريقين مُتضادين حيال تلك التجربة ، ما بين مؤيد ومُعارِض لتلك التجربة .
حُجة أصحاب القرار والفريق المؤيد لِلفكرة تتمثل في أن دمج الأطفال من الجنسين في مراحل الصفوف الأولية في التعليم العام خطوة ايجابية وبالاتجاه الصحيح من أجل تربية جيل واعد ، ينظر للمرأة باعتدال دون تطرف ومُغالاة في التحفظ عليها بدعوى صيانتها ، وبدون انفتاح مُفرط بمزاعم إنقاذها من القهر وسيطرة الرجل ، مؤكدين على أن المرأة المُعلمة قد تكون أقدر وبلا " مُشاحة " في القول على تربية الأبناء والصبر عليهم ، نظراً لما تتميز به من رِقةٍ وحنان ، تقول إحدى مديرات المدارس الأهلية إن الكثير من الأهالي أبدوا تشجيعهم للفكرة كونها تساهم في تطوير المجتمع المحكوم بعادات وتقاليد ، كما أن ردة الفعل للبعض الآخر شيء طبيعي ، لأن كل جديد يكون دائماً مُثيراً للجدل حتى يتم التعود عليه ، مؤكدة على أنها لا تمانع من تجربة ذلك ضمن نِطاق زمني مُحدد ومكان مُحدد ، واقترحت المديرة أن تشمل الفِكرة بقية المدارس بعد أن ثَبَت نجاحها ، مؤكدةً على أن مدرستها تلقت العديد من طلبات أولياء الأمور الذين يفضلون تعليم أبنائهم من قبل معلمات !
وحُجة الفريق الآخر ( المُعارِض ) تكمن في أن تلك التجربة هي خطوة ، قد تتبعها خطوات في التدرج في الاختلاط التام في مدارس التعليم العام ، وإن بدايتها في الصفوف الأولية هي الدرجة الأولى في " سُلم الاختلاط "
مُستشهدين ومُدعمين وجهة نظرهم تلك حول بعض الاستبيانات التي قام بها بعض المشرفين التربويين في الصفوف الأولية على عدد من طلاب الصفوف الأولية في المرحلة الابتدائية في المدارس الأهلية ، والذين رفض بعضهم أن يتعلم بجانب فتاة لِعدة أسباب منها ، نظرته على أنه رجل وبعضهم اشتكى من قسوة المُعلمات ( وهذا رد كافٍ لمن يعتقد أنهن يتميزن بالرقة والحنان ! ) مُعللين ذلك بمعاملتهم بعنف ، ولاعتقاد بعض المعلمات بأن هذا الأسلوب الأجدى في التعامل مع الأطفال الذكور ، ما جعل بعض الطلاب يُفضل المعلم في تعلميه بدلاً من المعلمة !
وفي هذا المقال لستُ معنياً بترجيح فريق على حِساب الآخر ، بقدر مُناقشتي للموضوع مُناقشة عِلمية ، وأترك للقارئ الحُرية في أن يستشف من قراءة المقال أيهما يُرَجِح ، حتى لو كان كلامي مُخالِفاً للعنوان !
بحسب علمي ـ القاصِر ـ أن تلك التجربة تم تطبيقها في عِدة دول وفشلت ، ومن هذه الدول هي ( الصين ، الكويت ، السودان ) على الترتيب ، وبعض هذه الدول سبقتنا في الانفتاح على حضارة الآخر .
ويتضح للجميع أني استشهدت بتلك الدول والتي حينما أدركت فشل تلك التجربة لم تتردد في إلغائها وأكبر دليل على عدم نجاحها هو إلغاءها ، ولم استشهد بدول غربية لها تاريخ عَريق وضارب في جذور حضارتها ، كأمريكا مثلاً ، والتي رفعت شِعاراً منذ زمن ( مدارس بِلا اختلاط ) ولأنهم تجرعوا الويلات من ذاك الاختلاط والذي بطبيعة الحال ابتدأ في المراحل الأولية في الدراسة ، حتى وصل إلى المرحلتين المتوسطة والثانوية ، ما نتج عنه من إنحرفات سلوكية فسيولوجية ، وكان من نِتاجها حمل وإجهاض في سِن مُبكرة جداً ، الأمر الذي أدى إلى أن ذلك كلفهم كثيراً من ناحية العلاج والوّقاية ، أقول أن تلك الدول طبقت تلك التجربة وفشلت ، وبالتالي اعترفت بفشل تلك التجربة ولذلك ألغتها !
وخِتاماً .. يتمنى السواد الأعظم من المواطنين أن نُطبق دائماً نظرية
( أن نبدأ من حيث نجح الآخرين ) في كل المجالات وليس في التربية فحسب ، وألاَّ ( نبدأ من حيث فشل الآخرين ) والله الموفق لكل خير سبحانه .
ماجد بن مسلم الحربي
كاتب صحفي